منذ القدم، كانت الخيل ولا تزال رمزًا للفروسية والعزّة والجمال، تزيّنها صفات النبل، وتحيط بها هالة من الهيبة والدهشة. ولئن كانت قوة الخيل وسرعتها محل إعجاب الإنسان، فإنّ لألوانها سحرًا خاصًا يأسر القلوب ويثير الفضول. فما من مشهد يأسر العين مثل قطيع من الخيل المختلفة الألوان، يعدو فوق سهولٍ خضراء، تتراقص أعرافها في الهواء وتلمع أجسادها تحت ضوء الشمس.
إنّ ألوان الخيل ليست مجرد مظهر خارجي فحسب، بل هي انعكاس لعوامل وراثية دقيقة، وأصول تاريخية متجذّرة. فقد اهتم الإنسان منذ القدم بتصنيف ألوان الخيل، ونسج حول بعضها الأساطير والرموز. فالخيل الأبيض ارتبط بالنقاء والملوك، والأسود ارتبط بالقوة والغموض، أما البني فقد رآه الكثيرون لونًا أصيلًا يعبر عن الثبات والشجاعة.
الخيل العربي الأصيل هو أكثر خيول العالم جمالاً ورشاقة، يتميز بملامح خاصة يسهل التعرف عليها فور رؤيتها، تشتهر فيه الألوان الأشقر والرمادي والكميت والكستنائي، أحيانًا توجد الألوان البيضاء والسوداء، وتتميز الأنواع العربية أيضًا بالألوان النقية الواضحة دون تداخلات.
تنتج الألوان المختلفة التي تغطي جسم الخيل من الجينات الوراثية المكونة لسلالات الخيل. في المجموعات المختلفة يوجد حوالي 39 جينًا وراثيًّا تحمل الصفات المميزة بما فيها اللون. هناك ألوان تسيطر على جسم الخيل وتطغى على الألوان الأخرى. مثلاً نجد أن اللون الرمادي يسود على اللون الأسود، اللون الأشقر على الأشقر الكستنائي، الكميت على الأسود، والأشقر ينحسر أمام كل الألوان.
ويمكن إدراك اللون الحقيقي للحصان بفحص الخطم فقد يبدو الحصان من البعد أسود اللون ولكن يمكن التعرف على لونه الحقيقي بفحص الخطم الذي يوضح أنه بني غامق .. والمهر يمكن إدراك لونه الحقيقي بفحص الخطم وفوق العيون.
وقد جاء في كتاب الخيل العراب لقدري الأرضروملي بأن الخيل العربية تتمتع بعدة ألوان زاهية براقة جذابة أساسها خمسة ألوان هي: الأبيض، والأحمر، والأسود، والأخضر، والأصفر.
وتتمازج بعض هذه الألوان فيما بينها وتنتج من هذا التمازج ألوان جديدة عديدة أطلق عليها العرب أسماء جديدة تدل على الألوان المستحدثة.
1- اللون الأبيض:
وهو لون نادر في الخيل العربية عند الولادة وحتى سن الخامسة والسادسة وبعكس ذلك يكثر اللون الأبيض في الخيل التي تتجاوز أعمارها السادسة فأكثر والتي كان لونها في السن المبكرة أشهب، وعلى اختلاف شهبته، ويستحب في الخيل البيض سواد أعرافها وآذانها ونواصيها وهذا نادر.
خيل أبيض
2- اللون الأشهب (مزيج من اللونين الأبيض والأسود):
الأشهب مزيج من اللونين الأبيض والأسود بدرجات متناسبة وهناك الأشهب الحديدي (أو الأزرق) وهو ما زاد فيه اللون الأسود على اللون الأبيض زيادة كبيرة بحيث يسيطر اللون الأسود بعض السيطرة. والأشهب الفاتح: وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع بيضاء أو وردية، والأشهب الرماني، وهو ما خالط شهبته لون أحمر، أو ما كانت تعلو شهبته نقط حمراء فاتحة. والأشهب الملمع (أو الأشيم): وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع متفرقة ذات لون مغاير للونه الأشهب. والأشهب المولع: وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع مستطيلة ذات لون مغاير للونه الأشهب. والأشهب الأخضر وهو ما مازج شهبته لون أخضر وهذا قليل، وقديما كانت الخيل الشهب هي مراكب الملوك والقادة.
خيل أشهب
3- الأدهم(شديد السواد):
الأدهم: ما كان شعره أسود وهو نادر ومستحب بين الخيل العراب ومنه عدة أنواع منها:
>>> قال عنترة:
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها | أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ |
ومعنى أشطان: حبال ولبان: صدر
>>> وقال صفي الدين الحلى:
وَلَقَد أَروحُ إِلى القَنيصِ وَأَغتَدي | في مَتنِ أَدهَمَ كَالظَلامِ مُحَجَّلِ |
ومعنى محجل: في قوائمه بياض.
خيل أدهم
4- الأحمر(الكميت)
والفرق ما بين الأحمر والشقر بالعرف والذنب، فإن كانا أسودين فهو كميت وإن كانا أشقرين فهو أشقرا ولأحمر الخالص إذا اسود عرفه وذيله، فهو ورد، والأنثى وردة، والجمع وراد. فإن كانت حمرته في سواد، فهو كميت، وكذلك الأنثى بلفظ الذكر، وكذلك هو مصغر، لا يقال كمت ولا كمته. فإن اشتدت حمرته في السواد، فهو كميت مدمى… فإذا كانت كمنته بين السواد والبياض، فهو ورد أغبس، وهو السمند عند الفرس. وإذا قارنت حمرته السواد، فهو أصدأ، مأخوذ من صدأ الحديد. فإن زاد السواد شيئًا على الحمرة، فهي الجؤوة، والفرس أجاى”. والبدو يفضلون الأحمر على سائر الألوان، لأنه يتحمل شدة الحر والبرد.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الخيل، فقال: “أحمرها، وأسرعها أشقرها، وأظفرها أدهمها”.
>>> قال امرؤ القيس:
كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِبدُ عَن حالِ مَتنِهِ | كَما زَلَّتِ الصَفواءُ بِالمُتَنَزَّلِ |
يزل: ينزاح. اللبد: ما يوضع تحت السرج. متنه: ظهره الصفواء: الصخرة الملساء. بالمتنزل: بالسيل الجارف
خيل أحمر
5- الأشقر(الأصفر)
يعتبر اللون الأشقر تابعًا أو متفرعًا عن اللون الأدهم. وهو ما كان لونه مزيجاً بين اللونين الأحمر والأصفر وله عدة درجات، وهي: الأشقر الذهبي وهو ما شابه لون الذهب. والأشقر الفاتح وهو ما كثرت صفرته على اللون الأحمر. والأشقر الغامق أو الأدبس وهو ما اشتدت حمرة شقرته حتى علاها سواد إلا عرفه وذنبه. والأشقر المدمي وهو ما تعلو شقرته الصفرة وأصول شعره بلون الحناء. والأشقر العنابي وهو الأشقر الفاتح مع بياض الغرف والذنب والناصية وهو قليل جدًّاْ.
>>> قال طرفة بن العبد:
نُمسِكُ الخَيلَ عَلى مَكروهِها | حينَ لا يُمسِكُها إِلّا الصُبُر | |
حينَ نادى الحَيُّ لَمّا فَزَعوا | وَدَعا الداعي وَقَد لَجَّ الذُعُر | |
أَيُّها الفِتيانُ في مَجلِسِنا | جَرِّدوا مِنها وِراداً وَشُقُر |
ومعنى لج الذعر: ألج الخوف.
>>> ومنه كذلك قول صلاح الصفدي:
يا حُسْنَهُ من أشْقرٍ قصَّرَتْ | عَنهُ بُروقُ الجَوِّ في الركضِ | |
لا تَستطيعُ الشمسُ من جَرْيه | تَرْسمُهُ ظِلاَّ على الأرضِ |
>>> وقال مالك بن الريب:
تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد | سِوى السَّيفِ وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا | |
وَأَشقَرَ مَحبوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ | إِلى الماءِ لَم يَترُك لَهُ المَوتُ ساقِيا |
خيل أشقر
إنّ الخيل ليست مجرد وسائل نقل أو أدوات سباق، بل هي رفيقة الإنسان منذ الأزل، تشاركه رحلته على الأرض، بروحها النبيلة وجمالها الأخّاذ. وألوانها ما هي إلا مرآة تعكس تنوّعها وروعتها.
فإن كنت من محبّي الخيل، أو هاويًا للتعرّف على أسرارها، فاعلم أن خلف كل لون عالمًا من المعاني والقصص ينتظرك لتكتشفه.
تابعونا على الانستجرام أضغط هنا
للمزيد من المقالات أضغط هنا