مع ظهور الإسلام، أصبحت الخيول تحظى بمكانة مرموقة وأصبحت مذكور في القرآن الكريم، حيث رُمزت “الخيل” في الفكر العربي والإسلامي بالقوة والشجاعة، ورمزت أيضًا بالشهامة. ولذلك، لم يكن من المستغرب أن يُشتَق مصطلح “الفروسية” ليُعبر عن تلك المعاني المرتبطة بالفارس والفرس والخيل.
وللخيل منزلة عظيمة في نفوس أصحابها، ولا سيما الخيل العربية الأصلية منها، لما تتصف به من الشجاعة والشهامة والوفاء لأصحابها، والخيل تقاتل مع صاحبها في المعارك.
وكان للفتوحات الإسلامية دور كبير في انتشار الخيول العربية شرقًا وغربًا والتعرف على مزاياها من قوة وسرعة فائقة وجمال وتناسق بين أعضائها، حيث وصلت تلك الفتوحات إلًى العراق والشام وفارس ومصر وتركيا والعديد من البلدان. وجلب العرب معهم خيولهم النقية السلالة، وبدأت في التزاوج مع السلالة المصرية وسلالات الدول الأخرى اللاتي فتحوها.
وكذلك أيضًا وقد احتلت الخيل عند العرب مكانة خاصة وزاد الاهتمام بها بعد ظهور الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف ما يبين فضلها ومكانتها عند الله ورسوله وعند العرب والمسلمين. كان العرب في الجاهلية يرتبطون بالخيل لفضلها وشرفها، وعندما جاء الإسلام أمر الله نبيه باتخاذها وارتباطها، فاتخذ رسول الله الخيل وارتبطها في سبيل الله، وأعجب بها وحث عليها فارتبطت بها المسلمون أفرادًا وجماعات.
ومن نعيم الجنة ركوب الخيل، حيث شاء المؤمن، روى الترمذي في سننه من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلًا قال: يا رسول الله: هل في الجنة من خيل؟ قال: إِنِ اللَّهُ أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ، فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْت.
أدرك المسلمون أهمية الخيل ودورها في نشر الدين الجديد، فحرصوا على اقتنائها وإكرامها. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من بادر إلى حَثّ المسلمين وتشجيعهم وتحفيزهم على اقتنائها، لاستخدامها في الجهاد. وقد خُصت الخيل المعدة للجهاد بالعناية الفائقة، والرعاية والتكريم، كما خٌص الذين يعتنون بها بمزيد الأجر. وقد فرض الرسول صلى الله عليه وسلم سهمين في الغنيمة للفرس وسهماً واحداً لفارسه، بينما جعل للمقاتلين من المشاة سهماً واحداً.
فإن كان الواقع الاجتماعي في الجاهلية، جعل العناية بالخيل أمراً لازماً، فقد تضاعفت تلك العناية في ظل الإسلام، إذ أصبح اقتناء الخيل ـ وهو مثال على المعنى العام لإعداد القوة ومُضاعفاتها في العصر الحديث ـ فرضاً دينياً امتثالاً ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (رواه البخاري )وعلى الرغم مما اشتُهرت به الإبل من قدرة التكيف مع قسوة الصحراء، وتحمل الجوع والعطش، إلا أنها فشلت في الحرب أمام الخيل، ولم تستطع منافستها في سرعة الحركة، والإقبال على العدو، والثبات في خضم المعارك وصليل السيوف، الذي يشكل عاملاً أساسياً في سرعة تهيج الإبل وفرارها.
ولقد أكرم الله الخيل؛ حيث أورد ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم، واعتبرها من مصادر القوة والجاه ومتاع الحياة الدنيا، يقول الله في كتابه العظيم:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾
﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30 ) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ( 31 ) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ( 32 )رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ(33)﴾
﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾
هكذا تحول الخيل إلى وسيلة حربية فعالة، حيث انطلق الفرسان المسلمون بخيولهم الأصيلة، محققين انتصارات واسعة في مختلف أنحاء العالم. في غضون أقل من ثلاثين عاماً، تمكن المسلمون من فتح العديد من البلدان مثل العراق والشام وفارس ومصر، ومع انتشار الإسلام، انتشرت سلالات الخيول العربية.