تعتبر الخيل حيوانات فريسة اجتماعية تعتمد بشكل كبير على تفسير دقيق للإشارات من البيئة، سواء كان ذلك لتحديد الحيوانات المفترسة المحتملة أو للحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل مجموعتها.
في الآونة الأخيرة، اهتمت العديد من الدراسات بدراسة التعبير عن المشاعر وإدراكها لدى الحيوانات غير البشرية. على وجه الخصوص، من المهم معرفة ما إذا كانت الحيوانات تستطيع ربط محفزات العاطفة بوسائل مختلفة (مثل البصرية والصوتية) بناءً على المشاعر المعبر عنها (أي التعرف على العواطف عبر الوسائط).
يمكننا التساؤل عما إذا كانت هذه القدرة تمتد لتشمل المشاعر الإنسانية. في هذه الدراسة، تحققنا مما إذا كانت الخيل قادرة على التعرف على المشاعر الإنسانية عبر الوسائط المختلفة.
التعرف على الإشارات البصرية والاستجابة للتغيرات العاطفية لدى الخيل الأخرى أمر حيوي للبقاء، إذ يسمح للخيل بالتفاعل بشكل مناسب، مثل إظهار اليقظة تجاه منطقة ما عندما يقوم خيل آخر بذلك، أو الابتعاد عن الخيل الذي يعبر عن العدوانية بوضع أذنيه إلى الخلف وتوجيه أنفه نحوه.
طورت الخيل قدرة طبيعية على التعرف على الإشارات الدقيقة من الخيل الأخرى كوسيلة لتعزيز العلاقات الوثيقة التي تفيد بقاء النوع. يهتم الباحثون بشكل خاص بمعرفة ما إذا كانت هذه القدرة تمتد إلى التعرف على المشاعر لدى البشر.
نتيجة لذلك، أُجريت العديد من الدراسات للتحقق مما إذا كانت الخيل قادرة على التعرف على التكافؤ العاطفي للغة الجسد البشري وتعبيراته. النتائج تشير إلى أنها تستطيع ذلك بشكل ممتاز، ربما أفضل من البشر أنفسهم.
أوضحت ليا لانساد، الحاصلة على الدكتوراه من المعهد الفرنسي للخيل ومعهد علوم السلوك في المعهد الوطني للبحوث الزراعية في تورز، أن “الخيل تستوعب الانفعالات العاطفية حقًا، وتتفاعل بقوة وسرعة مع مشاعرنا الإنسانية”.
في دراسة حديثة، قامت ليا وفريقها، باختبار قدرة الخيل على ربط تعبيرات الإنسان العاطفية الصوتية والوجهية. عرضوا في الوقت نفسه صورتين متحركتين لتعابير الوجه البشري، إحداهما تعبر عن الفرح والأخرى عن الغضب، وفي نفس الوقت، تم تشغيل صوت بشري غير لفظي يعبر عن الفرح أو الغضب. لوحظ أن الخيل كانت تنظر أكثر إلى الصورة التي لا تتطابق مع عاطفة الصوت المسموع، ربما لأنها كانت مهتمة بالتناقض بينهما.
بالإضافة إلى ذلك، اختلف سلوك الخيل ومعدل ضربات قلبها اعتمادًا على الصوت: حيث تفاعلت بشكل أكثر سلبية مع صوت الغضب وبشكل أكثر إيجابية مع صوت الفرح. تشير هذه النتائج إلى أن الخيل يمكنها مطابقة الإشارات البصرية والصوتية لنفس المشاعر، ويمكنها إدراك التكافؤ العاطفي للأصوات البشرية غير اللفظية.
كانت الخيل المشاركة في الاختبار – 34 فرسًا – قد تفاعلت من قبل مع البشر فقط للرعاية الأساسية. ورغم هذا التفاعل المحدود ومع أنها تعرضت لعواطف شخص مجهول، أظهرت الأفراس “ردود فعل قوية” تجاه العواطف التي ظهرت في التجربة، وفقًا لما قالته ليا.
وأضافت أن ضربات قلوب الأفراس ارتفعت بشكل ملحوظ، وأظهرت سلوكيات تدل على الإجهاد عندما سمعت أصوات الغضب البشري مقارنة بأصوات الفرح. بينما، مع التعبيرات الصوتية المبهجة، أصبحت أكثر هدوءًا، مع وضعيات مريحة وانخفاض في معدل ضربات القلب.
قالت ليا إن تعبيرات الوجه التي لا تتطابق مع الأصوات أثارت اهتمام الخيل، حيث أمضت وقتًا أطول في النظر إلى الصور “الخاطئة” لأنها كانت تخالف توقعاتها. وأوضحت أن “هذا شيء نراه غالبًا في الخيل عند تفاعلها مع الأشياء غير المتوقعة”.
تدعو هذه الحساسية العالية تجاه العواطف الإنسانية الباحثين إلى حث مربي الخيل على توخي الحذر عند التعبير عن مشاعرهم، لأن الخيل تنتبه وتتفاعل. وقالت ليا: “كان الأمر المفاجئ في هذه الدراسة هو أن الخيل استجابت عاطفيًا بقوة لمقاطع صوتية قصيرة جدًا، فقط بضع ثوانٍ، مما أثار تغييرًا في ضربات القلب ووضعية الجسم”.
وأضافت أن الخيل تفاعلت مع العواطف حتى لو لم تكن موجهة نحوها. وقالت: “قد يؤدي الجدال أو الضحك أمام الخيل إلى إثارة مشاعر فيها تؤثر على الطريقة التي يروننا بها”.
واختتمت قائلة: “لا أعرف إذا كان البشر يتفاعلون بقوة مع عواطف الخيل، سيتعين علينا اختبار ذلك!”. لذلك، يجب الانتباه إلى أن الخيل تلاحظ وتعطي اهتمامًا كبيرًا لتعابير وجوهنا ومشاعرنا، بغض النظر عن الكلمات التي نستخدمها.
الخيل تتعلم باستمرار عن الجوانب الإيجابية والسلبية في بيئتها، وربما تكون أفضل منا في هذا الأمر. لذلك، علينا أن نكون واعين للتوازن العاطفي في تفاعلاتنا معها، ومراقبة مدى تأثير مشاعرنا المتبادلة.