القتل الرحيم للخيل هو موضوع يُثير الكثير من النقاشات الأخلاقية والشرعية، حيث يلامس مشاعر الرحمة تجاه الحيوان من جهة، والمسؤولية عن معاناته من جهة أخرى. بين مشورة الأطباء البيطريين الذين يسعون لتخفيف الألم غير المحتمل عن الخيل، ورؤية الشرع التي تضع ضوابط للرفق بالحيوان، تتجلى أهمية النظر في هذا الموضوع بحكمة وتوازن. سأعد لك مقالًا مفصلًا يعالج هذا الموضوع من جميع الزوايا.
ما أشار إليه العلماء من جواز قتل الحصان الذي لا أمل في شفائه من خلال الذبح يُعد من باب الرحمة والشفقة التي يحث عليها الإسلام. وقد استدلوا على هذا الفعل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ارحموا ترحموا”، الذي رواه البخاري وصححه الألباني. الذبح في هذه الحالة ليس فقط حلاً للتخفيف من معاناة الحيوان، بل يعكس تطبيقًا عمليًا لمفهوم الرحمة في الشريعة الإسلامية.
وفي هذا السياق، ورد استفسار إلى الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية (اللجنة الدائمة للإفتاء) حول جواز استخدام الرصاص لإنهاء حياة الخيل المتقدمة في السن أو المصابة بإصابات دائمة تمنعها من العمل أو التدريب. جاءت الإجابة لتوضّح أن الخيل مباح أكلها في الإسلام وفقًا للرأي الراجح، كما ورد في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل”.
وفي رواية أخرى عن أسماء رضي الله عنها: “نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة”. وقد أضاف الدارقطني تفاصيل عن تلك الواقعة قائلًا: “أرادت أن تموت فذبحناها فأكلناها”، مما يؤكد جواز التصرف بهذا الشكل وفق الضرورة والمصلحة.
من الواضح أن الإسلام يوازن بين الرحمة بالحيوان والاستفادة المشروعة منه، ويوجّه المسلم إلى أن يكون رحيمًا ومدبرًا في التعامل مع المخلوقات، سواء كانت تلك المخلوقات صحبة الإنسان أو في خدمته.
يُبرز الإسلام أهمية التعامل الرحيم مع الحيوان، سواء في حياته أو عند الحاجة إلى ذبحه. وقد جاء في الشرع أن قتل الحيوانات التي يباح أكلها، مثل الخيل، لا يجوز إلا بالتذكية الشرعية ما لم تكن هناك ضرورة ملحّة تقتضي غير ذلك، كتعذر الذبح بالطرق المعروفة. الشرط الأساسي هنا هو أن يتم الذبح بطريقة تضمن راحة الحيوان وتحقق الإحسان في إنهاء حياته، تطبيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته”.
الذبح الشرعي وأهميته
إذا كان الحيوان المذبوح مما يباح أكله وصحيًّا، يُستحب أن يُوزَّع لحمه على المحتاجين من المسلمين أو يُطعم به الحيوانات التي يجوز إطعامها مثل الأسود ونحوها. أمّا إذا لم يكن صالحًا للأكل صحيًا، فإن لحم الحيوان يُتخلَّص منه بطريقة تضمن عدم إلحاق الضرر.
حالات خاصة: إصابة الخيل بعاهات
ورد تساؤل حول جواز إنهاء حياة الحصان المصاب، مثل كسر في أحد أعضائه دون أمل في العلاج، باستخدام وسائل مثل حقن البنزين لإراحته من الألم. أجمع العلماء على أن استخدام هذه الطريقة لا يتفق مع روح الشريعة، لأنها تتضمن إضاعة للمال وإلحاق الأذى بالحيوان دون مبرر شرعي. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.
الطريقة الشرعية للتعامل مع هذه الحالات هي الذبح، وإذا كان لحم الحيوان صالحًا للأكل يمكن توزيعه على الفقراء أو المساكين، مما يحقق النفع ويمنع إهدار المال.
رسالة الإسلام في التعامل مع الحيوانات والخيل
الإسلام يوجّه المسلمين إلى تحقيق التوازن بين الرحمة بالحيوان والاستفادة منه في إطار شرعي. فالرفق بالخيل ليس خيارًا، بل واجبًا يعكس القيم الإنسانية التي يحث عليها الدين الحنيف.
لقد تباينت آراء العلماء حول حكم قتل الخيل بدافع الرحمة، وتعددت اجتهاداتهم في هذا الشأن إلى رأيين رئيسيين:
الرأي الأول: التحريم
ذهب الشافعية إلى تحريم قتل الحيوانات التي لا تؤكل لحومها، حتى لو كان ذلك بدافع إراحتها من الألم أو المشقة. واستدلوا على ذلك بضرورة احترام الحياة التي منحها الله للحيوانات، ورفضوا ذبحها لمجرد أنها تعاني، كحال الحمار العجوز الذي يتضرر من طول حياته.
الرأي الثاني: الجواز المشروط
أما المالكية فقد رأوا جواز ذبح الحيوانات التي لا تؤكل لحومها، إذا ثبت أنه لم يعد من الممكن الاستفادة منها بأي شكل. بل واعتبروا أن هذا الفعل يُستحب في بعض الحالات من باب الرحمة بالحيوان. وقد أوضحوا ذلك بقولهم: إذا تعذر الانتفاع بالحيوان إما بسبب مرض مزمن أو فقدان للبصر، أو كان في مكان معزول يفتقر إلى الغذاء والماء دون أمل في إنقاذه، فإنه يُندب ذبحه لإراحته.
فتاوى معاصرة
أيد الشيخ ابن عثيمين هذا الرأي بشروط معينة، حيث قال: إذا كان الخيل مريضاً مرضاً لا يُرجى شفاؤه، وكان من غير المأكول لحمه، فلا بأس بقتله لتجنب إهدار المال على رعايته، وذلك عملاً بمبدأ رفع الضرر. كما استدل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحذر من حبس الحيوانات دون طعام أو شراب. أما إذا كان الحيوان مأكول اللحم، وأصبح غير صالح للاستهلاك أو الاستفادة، فإنه يجوز قتله بطريقة رحيمة كالرصاص أو الذبح، شريطة أن يكون ذلك أقل إيلاماً له.
الرأي العام لجمهور العلماء
يميل جمهور العلماء إلى اتخاذ خطوات تراعي مصلحة الحيوان والمجتمع في آنٍ واحد، حيث يُفضل إرسال الحيوانات التي تعاني إلى جمعيات متخصصة أو مراكز رعاية الحيوان إذا توفرت. أما إذا تعذر ذلك، فإن قتل الحيوان المأكول لحمه يكون جائزاً في حال العجز عن توفير حاجاته الأساسية، أو عند تعرضه لحالة تنقل المرض إلى بقية الحيوانات أو البشر. وفي حالة الحيوانات المأكولة التي تعاني من إصابات جسيمة مثل كسر لا يُرجى شفاؤه، فإن الأفضل ذبحها وتوزيع لحمها على الفقراء والمحتاجين.
يشترط في قتل الحيوان أو الخيل بدافع الضرورة أو الرحمة أن يتم ذلك بأسلوب يحقق الإحسان ويتجنب كافة أشكال التعذيب أو الإيذاء. ومن الواجب أيضاً تجنب ترك جثث الحيوانات في الطرقات العامة، لما يترتب على ذلك من أذى للناس بسبب الروائح الكريهة وانتشار الأمراض. كما يجب الامتناع عن تقديم الحيوانات الحية كغذاء للحيوانات المفترسة، لأن ذلك يُعد مخالفة لمبادئ الرحمة التي حث عليها الإسلام.
وعلاوة على ذلك، ينبغي بذل الجهد للاستفادة من الخيل حتى بعد موته ما أمكن، كاستخدام جلوده أو عظامه أو أي جزء آخر يمكن الانتفاع به، امتثالاً لتعاليم الإسلام التي تحث على حسن التدبير وعدم التبذير. فإهدار الموارد بلا سبب مقبول يُعتبر من صور تضييع المال، وهو أمر منهي عنه في الشريعة الإسلامية.
تابعونا على الإنستجرام
للمزيد من المقالات