“الموضوع بسيط لا يحتمل الكلام الكثير، كل ما كنت بحاجة له علبة حبر وريشة مصنوعة من شعر حيوان تعيس الحظ ومجموعة كراتين لملمتها من شوارع حلب، البطل غير مهم أن نعرف من يكون، ربما طرفة بن العبد أو الدون كيشوت أو تموز أو بدر شاكر السياب أو فان كوغ أو أي إنسان حالم، دائما مغمض العينين أمام الوحوش ذات العيون الحادة النظرات، له لحظات قوة يندفع فيها لقلب الخطر وأحيانا يتملكه الخوف فيختبئ تحت حصانه ”
هكذا يختبئ الفنان السوري مجد كردية المولود سنة 1985 تحت حصانه وأحيانًا داخله ، ترك كلية الفنون الجميلة بحلب بعد ثلاث سنوات من التحاقه بها لعدم اقتناعه بالتعليم الببغائي “على حد تعبيره”.
مجد الذي سيأخذ من اسمه الكثير في الأعوام القادمة يتخيل البشر وقد تمثلوا في شخص واحد يجمع بين خصوصيات الرجل والأنثى ويضخ فيه قدر هائل من الإنسانية ويبدأ بالتحدث إليه ، يرسم الخيل وكأنه يرسم الماء ومن بعد ما يرسمه يبدأ التغزل فيه بالهمس ،لم يكتفي بالفتنة الظاهرة أو بالتفاصيل المرئية للعامة ، لقد سمح لكل الخيوط أن تنسل تمامًا من بين يدي فرشاته وأمرها أن تبدأ من جديد ، مجد ممن يعيدون هيكلة العناصر ولا يكتفون بنسخ الأفعال والكلمات ، يهيكل برقة فتولد الدهشة بانسيابية داخل لوحاته ، هو يؤمن بأن الفن ابتكار ملامح تقود متأملها وقارئها إلى بقعة بعيدة عن أي سطح أو بر آمن.
عن علاقته الحميمية بالخيل يقول بأنه اكتشف غرامه بها منذ الصغر، وعرفَ حينها بأنه سيظل مخدرا وهائمًا بها إلى مالانهاية.
أول معرض افردي لمجد كان بعنوان أحصنة وأسماك في مدينة اللاذقية وفيه عرض الخيل كما يراها هو لا كما يرونها هم ويصف مجد الخيل بأنها
كائن عصي على الرسم ،
ويضيف قائلا :مع الوقت أدركت أن الخيل هي المخلوق الأصعب عندما يتعلق الأمر بالرسم ،لأنها أنيقة للدرجة التي تحرضك على الذهول ولأن خطوطها دقيقة جدا.
وعن سبب تعلقه بالخيل وتواجدها الدائم في عالمه الغير تقليدي يقول: إن الشعر العربي القديم هو الذي ورطني هذه الورطة الكبيرة وحتى اليوم لم استطع الفكاك منها والحقيقة انني مستمتع بالتورط لأنني مفتون حد الإدمان بكل ما يخص الخيل
مزاج مجد وذائقته الفريدة تجبرك على أن ترى الخيل بطريقة مختلفة وأن نحكي لها عن أشياءك الخاصة التي تهيجها فيك.
ويؤكد في سياق الحديث بأن الحصان هو ذلك البدوي الذي يعيش بأريحية داخل كل شخص منا وأنه أيقونة تعني أولا وقبل كل شيء الانطلاق نحو الأفاق .
ومن خلال منظوره كفنان يرى ان السبب الرئيسي في وجود الخيل بيننا هو أن نتعلق به ونرسمه لأنه وعاء متين يستوعب كل الجماليات .
وعن امتنانه للخيل يؤكد بأنها منحته لذة الدهشة ومتعة الوصول إلى خطوط تجريدية بحتة ،
بلمسة واحدة يستطع مجد أن يشكل هوية حصان لا يخطئه أحد.
طلبت منه بجملة بسيطة أن يربط فيها بين الخيل والخيال والفنون والجمال فأجاب باختصار بأن
كل شيء بداخله جمال ، هو كالخيل
وعن مايشده للخيل قال :
إنها حرة جدا
أما مواصفات الخيل التي تستفزه ليرسمها أو يكتبها أكد بانه لا يرسم خيلا موجودة ،لأنه يعتبر الكاميرا غبية ليس لأنه يكرهها فهو من محبي التصوير ، لكنه يعتبر الفن خلق ، حذف ، إعدام واعادة بناء ، هوية كاملة تميز فنان عن اخر وتفرق الفنان عن العاديين من البشر
يقول:
“أنا ابتكر حصاني وإن لم ابتكره فلايجوز لي ان ارسمه”
امضيت سنتين ارسم الخيل في الاسطبلات والسباقات فقط كي افهم كتله واتحرر منها ،
لا يهمني أن اكون أحد الرواد في مدرسة الرسم الفوتوغرافي لأنه مرض يصيب الفن. أو فن يصيبه مرض ، إن تقليد الكاميرا أسوأ شيء يقوم به الفنان بالعموم فكيف إن كان الأمر متعلق بأرق المخلوقات وأكثرها أصالة .
وفي النهاية فإن كل فنان له حصان
حصان بيكاسو يختلف عن حصان روبنز وحصان روبز بيختلف عن حصان ستوبس
وعن الطقوس والمزاج الذي يكون فيه أثناء رسمه للخيل واستنطاقها يعترض مجد على مفردات كــ مزاج و طقوس لأنه يعتبر الفنان كائن ملزم بالتغلب على مزاجه ومطالب بالانتقال فورا إلى مراحل الإرهاق والبحث المضني فكريا وتقنيا ويستبدل المزاج بـ (الاحساس بالأشياء) وهو الذي يميز الرسام عن آلات التصوير .
وعن الكلمة السرية التي يوجهها مجد للخيل اكتفى بان يطالبها بأن لا تقبل بأي لجام
وتمنى لو أنه يرى الحصان الذي ركبه عنتر أوامرؤ القيس لأنه لم يكن مجرد حصان جميل
و يصر مجد أن يهمس في أذن
الخيل التي لم يرسمها بعد ، قائلا:
حصاني يجري
بثلاثِ قوائمَ
وقلبي الرابعة
اكسر قيد حلمي يا حصاني
قلبك قلبي
عرفكَ شعرُ امرأتي
صهيلكَ أغنيتي
*تقرير وحوار: لبنى السحار.