الاربعاء 05 فبراير 2025م - 7 شعبان 1446 هـ

50 سلالة أصيلة: الخيل النجدية.. تراث لا يقدر بثمن

19 أكتوبر,2024

تُعرف الخيل العربية بكونها واحدة من أفضل سلالات الخيل في العالم، لما تتمتع به من مواصفات فريدة ميزتها عن باقي السلالات. ويعتقد العديد من الخبراء والرحالة أن الخيل النجدية هي أرقى هذه السلالات، الأمر الذي جعلها محط اهتمام ورغبة لدى أصحاب مرابط الخيل في الدول العربية والغرب وغيرها من أنحاء العالم. ولقد انتقلت بعض من هذه السلالة النجدية إلى دول عديدة، وما زالت أنسابها تُحفظ بعناية، حيث يتفاخر مالكوها بأصولها النجدية. وقد تحدث عن أصول الخيل النجدية الكثير من المؤرخين والرحالة. من بينهم الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك، رحمه الله، والذي كتب في رسالته المخطوطة عن أصل الخيل العربية أن “أصل الجياد في نجد فقط”. وتوافق معه الرحالة البولندي فاتسواف سيفيرين جفوسكي، حيث كتب في رحلته إلى بلاد العرب قائلاً: “الخيل النجدية وحدها تستحق أن تحمل اسم كحيلان، فهي سلالة نقية غير مهجنة منذ أزمنة سحيقة”. وأشارت الليدي آن بلنت في رحلتها إلى أن “العنزيون يعرفون أرسان الخيل التي جلبوها معهم من نجد بأنها نجدية”. فيما أكد المستشرق تشارلز داوتي على أن “أهل الجزيرة العربية يؤمنون إيمانا راسخا بأن الله خلق سلالة الخيول في أراضيهم، وهم يقولون إن الأصل أو إن شئت فقل: منشأ الخيول في بلاد العرب”. ومن بين من تحدثوا عن جمال الخيل النجدية الرحالة وليام بالجريف، حيث زار الرياض عام 1279هـ / 1862م، واطلع على إسطبل الإمام فيصل بن تركي. كتب بالجريف قائلاً: “تمكنت خلال هذه الفترة من مشاهدة الإسطبل الملكي، وتلك فرصة كنت أتحينها وأتحرق لها شوقا، والسبب في ذلك أن الحصان النجدي لا يقل عن سائر أنواع الخيل العربية، التي تتفوق كل سلالاتها على السلالات الفارسية، وسلالة رأس الرجاء الصالح، والسلالة الهندية. ونَجْد هي الموطن الحقيقي للسلالة العربية، أو إن شئت فقل النمط الأعلى، أو النوع الأصيل. وأضاف بالجريف حديثًا مطولاً عن مشاهداته في إسطبل الإمام فيصل قائلاً: “فقد شاهدت ما يقرب من نصف خيل الإسطبل الملكي، ولكن بقية خيل إسطبل الإمام فيصل كانت ترعى، ويقدّر عدد خيل الإمام بنحو 600 رأس، أو ما يزيد على ذلك. والعرب لا يفكرون في ربط الخيل من أعناقها، وإنما هم يستعملون طولا بدلا من الحكمة، ويتم وضع حلقة حديدية خفيفة حول رسغ قدم من قدمي الحصان الخلفيتين، ويتم قفل هذه الحلقة بقفل من الحديد، متصل بسلسلة من الحديد طولها يصل إلى نحو قدمين، وتنتهي بحبل مثبت في الأرض على بعد مسافة قصيرة بواسطة وتد حديدي، وهذه هي الطريقة المتبعة في ربط الخيل داخل الإسطبل الملكي، أما إذا كان الحصان من النوع المتعب دائم الحركة، فيتم ربط إحدى قدميه الأماميتين بالطريقة نفسها”. واستمر بالجريف في وصفه لجمال وقوة الخيل النجدية قائلاً: “كانت قامة هذه الخيل منخفضة إلى حد ما، ولا أعتقد أن قامة أي منها تزيد على 15 قبضة، وأنا أرى أن متوسط ارتفاع هذه الخيل لا يزيد على 14 قبضة، ولكن أشكال هذه الخيل وصلت من الدقة والكمال حدا أصبح معه افتقارها إلى الحجم لا يعد نقيصة أو عيبا على الإطلاق. وأكفال هذه الخيل ممتلئة، وأكتافها تنحدر بطريقة جميلة تجعل الإنسان كما يقول الشاعر العربي: يتشوق جنوناً إليها، وظهورها صغيرة، بل وصغيرة جداً لتحمل سروجا صغيرة أيضاً، ذلك الانحناء الطفيف الذي يوحي بالمرونة في غير ضعف. ورأس عريض من الأعلى، ومستدق من ناحية الأنف، الذي ينطبق عليه قول الشاعر العربي: يشرب من وعاء سعته ثمن جالون، إن قدر لمثل هذا المكيال أن يكون موجوداً في نجد”. وما يميز الخيل النجدية أيضاً هو سرعتها العالية وقدرتها الكبيرة على التحمل، وهذا ما جعلها مناسبة للبيئة الصحراوية القاسية. تحدث بالجريف عن تلك المميزات قائلاً: “الخيل النجدية مشهورة بسرعتها الفائقة، ومقدرتها على تحمل التعب، والواقع أن الخيل النجدية تنفرد بهذه الخاصة الأخيرة، ومسألة أن يمضي الجواد النجدي 24 ساعة سيرا على الطريق دون طعام، ودون تبرم أو احتجاج، أمر له مغزاه، كما أن مسألة التوقف عن الطعام وأداء العمل نفسه، في جو الجزيرة العربية المحرق، مدة 48 ساعة، تنفرد بها أيضا هذه السلالة من الحيوانات”. كما ذكر بالجريف جانبًا مثيرًا في تدريب الخيل النجدية، وهو مرونتها واستجابتها العالية للإشارات البسيطة من الفارس، قائلاً: “ومن السهل ركوبها بدون شكيمة أو لجام، وإنما بالاعتماد على إحساس هذه الحيوانات بحركات الركبة ووخز الرّكاب، واستجابتها لأقل وخزة من ناحية، وصوت راكبها من ناحية أخرى، ومن هنا، فإن الخيل النجدية تتفوق بكثير جدا على كل ما تعلمه مدارس الفروسية للخيل الأوروبية، برغم أنها مزودة بالشكائم، واللجائم، بل وبكل شيء”. الخيل النجدية تتميز بصفات جسدية وجمالية تبرز أصالتها. أحد أبرز مميزاتها هو رأسها الصغير، الذي يُعد علامة على الحسن والأصالة عند الحصان العربي. حيث يتخذ رأسها شكلاً هرمياً، ناعم الجلد، وعضلاته بارزة، وأصغر قليلاً في الأنثى مقارنة بالذكر. يُزين جبينها العريض غرة بيضاء لامعة، وتتميز بعينين واسعتين سوداوين، يغطيهما شعر الناصية ليحميهما من أشعة الشمس، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: “لاَ تَقُصُّوا نَوَاصِي الْخَيْلِ وَلاَ مَعَارِفَهَا وَلاَ أَذْنَابَهَا”، مما يعزز مكانة هذه السمة في ثقافة العرب، حيث لا يميلون إلى قص نواصي خيلهم. أما مقدم أنف الحصان الأصيل فهو دقيق، مع أنف مستقيم ومنخرين واسعين مستديرين، وفم كبير الشدقين، وأذنان منتصبتان سريعتا الحركة، بحيث تكون الأذنان في الأنثى أطول بقليل من الذكر. يضاف إلى ذلك أن هيكل الحصان النجدي يتسم بالصلابة والتوازن؛ فكاهله بارز ودقيق في أعلاه، وظهره قصير وقوي وعريض، مع ميل طفيف من الخلف للأمام. ومن العلامات التي تميز هذا النوع من الخيل أن اتساع المسافة بين منكبيه يدل على ضخامة الصدر، ما يعزز من قدرته التنفسية أثناء العدو السريع. البطن متناسق مع باقي الجسد، وجسمه مغطى بشعر لين لامع يزيد من جاذبيته. وتتميز قوائمه بالعضلات القوية، فيما يكون الساعد القصير البارز الأوتار علامة على جودة الحصان الأصيل. حوافر الخيل النجدية صغيرة لكنها صلبة وقوية، وساقاها مستقيمتان دون انحراف، مما يضفي على الحصان متانة وثباتًا. إن هذه العناية الخاصة والاهتمام البالغ بتربية وتدريب الخيل النجدية جعلها من أكثر السلالات احتراماً وتقديراً بين عشاق الخيل حول العالم، لما تحمله من صفات القوة والسرعة والجمال والرشاقة التي تجسد روح الأصالة والفروسية.

التعليقات

اترك تعليقا

تقويم الفعاليات

جاري تحميل التقويم
المزيد ...